أيوب الأن أسرة أبيصاري 2010-10-19
نزل النبي صلى الله عليه وسلم ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري
بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور :- عبد الرحمن البر *
اسم أبي أيوب ونسـبه وكنـيته: هو الصحابي الجليل والسيد النبيل أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج، النجــاري الخـزرجي الأنصــاري البدري.
اسم أم أيوب: اسمها كنيتها، وهي ابنة قيس ابن سعيد بن قيس بن عمرو بن امرئ القيس، من الخزرج.
إسـلامهما: أسلم أبو أيوب رضي الله عنه مبكراً مع أوائل الأنصار الذين أسلموا، وسمَّاه عروة بن الزبير فيمن شهد بيعة العقبة مع السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم(1). ولا شك أن أم أيوب كانت من أوائل نساء الأنصار اللواتي أسلمن مع أزواجهن.
نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليهما: كان بنو النجار من الأنصار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانت أمّ جده عبد المطلب منهم، ولهذا فإنه صلى الله عليه وسلم حين أراد النزول في المدينة في هجرته المباركة رغب في إكرامهم بالنزول عليهم، وكان أبو أيوب أكثرَهم حظوةً إذ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، حتى بنى المسجدَ في أرض الغلامين النجاريين، وابتنى بجواره مسكناً لزوجه زمعة رضي الله عنها، وقد أصرَّ بنو النجار أن يتحملوا هُم ثَمنَ المسجد، كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه(2). وذكر الزبير بن بكار أن الذي أرضى الغلامين بالثمن هو أبو أيوب رضي الله عنه.
وقد ورد أن الأنصار اقترعت أيهم يؤوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرعهم أبو أيوب، فآوى رسول الله صلى الله عليه وسلم(3). وهذا مما جعل الله من الفضل له رضي الله عنه.
تمسك أبي أيوب والتزامه السنــة وإتباعه المطلق للنبي القدوة: كان أبو أيوب رضي الله عنه حريصاً كل الحرص على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء، حتى كان يتتبع موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام، وهذا مؤشر على اتباعه رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما هو أهم من ذلك من أمور الدين وأحكام الشريعة، ومن ذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على صلاة عند زوال الشمس فداوم هو عليها، كما في الحديث عند الإمام أحمد (4).
فهمه للقرآن وعلمه بأسباب النزول: كان أبو أيوب رضي الله عنه مدركاً لمعاني القرآن، عارفاً بأسباب نزوله، يضع كل آية موضعها ويفهمها على وجهها الصحيح، من غير تعسف أو تكلف، ولهذا لما سمع بعض الناس يفهمون بعض الآيات على غير وجهها بادر رضي الله عنه بإيقافهم على معناها الصحيح، فعن أسلم أبي عمران التُّجِيبي مولى تُجِيب قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الرُّومِ،، وَخَرَجَ مِنَّا صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ فَقَتَل فِيهِمْ، ثُمَّ جَاءَ مُقْبِلاً، فَصَاحَ النَّاسُ فَقَالُوا: سُبْحَانَ الله، أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ فقال: فَقَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ الله عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، قُلْنَا بَيْنَنَا سِرًّا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَلَوْ أَقَمْنَا فِيهَا، فَأَصْلَحْنَا مِنْهَا مَا قَدْ ضَاعَ مِنْهَا! فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآيةَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا هَمَمْنَا بِهِ فِي أَنْفُسِنَا أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا، فَنُصْلِحَ مَا قَدْ ضَاعَ مِنْهَا، فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الَّتِي أَرَدْنَا أَنْ نَفْعَلَ، وَأَمَرَنَا بِالْغَزْوِ.
فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ يَغْزُو حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ(5).
عـدد مروياته: يُعد أبو أيوب رضي الله عنه من فقهاء الصحابة وعلمائهم، ومن المتوسطين في الرواية الذين جاوز عدد أحاديثهم المائة، فقد بلغت عدة أحاديثه في مسند بقي بن مخلد (155)، وفي مسند أحمد (101)، واتفق له الشيخان على (7) أحاديث، وانفرد البخاري بحديث واحد، ومسلم بخمسة أحاديث.
مواقـف من حب هذه الأسرة وأتباعها للنبي القدوة
الموقف الأول: أدب أبي أيوب وأم أيوب مع النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل عليهما
كان أبو أيوب رضي الله عنه عظيم الأدب في ضيافته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد الحرص على راحة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى التماس بركته صلى الله عليه وسلم، وكذلك كانت زوجه أم أيوب رضي الله عنها، وقد ابتدأت خدمتهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم نزل عليهم ضيفاً كريماً.
فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّفْلِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعِلْوِ، قَالَ: فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةً، فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم! فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «السُّفْلُ أَرْفَقُ»، فَقَالَ: لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُلُوِّ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا، فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ، فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ، وَصَعِدَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا، وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ»، قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ. قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى (
. أي تأتيه الملائكة والوحي، كما ورد ذلك صريحاً في بعض الروايات.
ويبين رضي الله عنه في رواية أخرى رضي الله عنه جانباً من هذا الحرص الذي دفعه إلى هذا الفعل، فيقول رضي الله عنه إَِنَّ نَبيَّ الله صلى الله عليه وسلم نَزَلَ فِي بيْتِنَا الْأَسْفَلِ، وَكُنْتُ فِي الْغُرْفَةِ فَأُهْرِيقَ مَاءٌ فِي الْغُرْفَةِ، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوب بقَطِيفَةٍ لَنَا نَتْبعُ الْمَاءَ؛ شَفَقَةً أَنْ يَخْلُصَ الْمَاءُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُشْفِقٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبغِي أَنْ نَكُونَ فَوْقَكَ، انْتَقِلْ إِلَى الْغُرْفَةِ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمَتَاعِهِ فَنُقِلَ، وَمَتَاعُهُ قَلِيلٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، كُنْتَ تُرْسِلُ إِلَيَّ بالطَّعَامِ، فَأَنْظُرُ فَإِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابعِكَ وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي أَرْسَلْتَ بهِ إِلَيَّ فَنَظَرْتُ فِيهِ، فَلَمْ أَرَ فِيهِ أَثَرَ أَصَابعِكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَجَلْ، إِنَّ فِيهِ بصَلًا، فَكَرِهْتُ أَنْ آكُلَهُ مِنْ أَجْلِ الْمَلَكِ الَّذِي يَأْتِينِي، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ» (9).
يستفاد من هذا الموقف المفاهيم التربوية التالية:
(1) فضيلة أبي أيوب وأم أيوب رضي الله عنهم: حيث جعل الله بيتهما أولَ منزلٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقد وصف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم البيت بأنه من بيوت أهله، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لما بركت ناقتُه يوم أن دخل المدينة: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟» فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ الله، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي. قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا». قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ الله...الحديث([1])
فحازت أسرة أبي أيوب رضي الله عنه هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية ببركة هذه الضيافة الكريمة، وكانت خير مضيف لخير ضيف.
ولقد عرف خيارُ الصحابة هذه المنقبة وحفظوها لأبي أيوب رضي الله عنه، حتى تَسَنَّى لابن عباس رضي الله عنهم أن يكافئه ببعض ما يستحق، ويبقى له كريم الجزاء عند الله في دار الخلد، فعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ، وَقَالَ: لأَصْنَعَنَّ بِكَ كَمَا صَنَعْتَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: كَمْ عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ أَلْفًا، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَعِشْرِينَ مَمْلُوكًا، وَقَالَ: لَكَ مَا فِي الْبَيْتِ كُلُّهُ